قصة قرأتها في منتدى اعجبتني كثير حبيت تستفيدون منها
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي ، وقد تقولون بأنها ضرب من الخيال ولكن لتعلموا أن كل حرف فيها ينبض بالصدق والحقيقة فقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي .. لتعرفوا فقط أنني ما عانقت اليأس فيها يوما ، لأنني توكلت على ربي سبحانه ، وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل .. التي جدفت بهما حتى رسوت في النهاية على ميناء السعادة والحقيقة ، فاقرؤوها .. لتزرعوا الأمل فيما بعد في جنبات حياتكم ، ولتطردوا منها كل طائر يأس قد يعشش فيها .
1
عشت طفولة بائسة ، أقل مايقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لاتكاد تجد ماتسد به رمقها من الجوع .. لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتهم البائسة تلك ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ، ومناسبات الأفراح لجيراننا ، وأهل الحارة بفارغ الصبر ، والترقب لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي نحرم منها طوال العام .
2
كانت أسرتي أسرة مفككة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر ، فلكل منا عالمه الخاص المغلق عليه هو فقط ، ولايستطيع أي كان أن يدخل إليه ، لا لأن أبوابه موصدة بقوة ! ؛ بل لأن أيا منا لم يكن ليهتم بدخول عالم الآخر ، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه مايشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها .
3
كان أبي يعمل مستخدما في أحد المعارض ، وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان ، بل كثيرا ماتتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر ، هذا بالرغم من بؤس عيشنا وشظف حياتنا .
كان والدي إنسانا سلبيا قانعا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع أحيانا ، لايعلم عنهم شيئا ، وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارا سلبية جعلته لا مباليا بكل ماحوله . كنت أشفق عليه أحيانا ، وأنا أرى نبتة الأمل تخبو في نفسه يوما بعد الآخر . كان كثير الصمت والشرود لايحرك ساكنا ، ولو انهارت الدنيا من حوله ، أو كأنما هو أحس بخيوط حياته قد أفلتت من بين يديه فآثر أن لا يركض وراءها فأذعن لها بكل انهزامية واستسلام .
4
أما والدتي واعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة ، فالحقيقة أشد إيلاما ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما أنها زوجة وأم ؛ عليها واجبات تجاه زوجها وأبناؤها ، وكانت دائما تنظر إلى ما في أيدي الآخرين ، وتحسدهم على ماأنعم الله به عليهم ، وتستجديهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات ، فكأن أبي وأمي قد اعتبروا أن هذه الأسرة مصيبة حلت عليهم ، فهم يخشون مواجهتها أو حتى التعايش معها .
5
أما إخوتي فحدث ولاحرج ، فهم يعيشون بين جنبات الشوارع بلا هدف ولا معنى ، وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب والطريق القويم دون أدنى مساءلة من أبي وأمي ، حتى إخوتي البنات لم يقمن وزنا للأخلاق ، ولا للشرف ، ولا حتى لنظرة المجتمع من حولهن ، والكارثة العظمى ؛ أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع الإبتدائي ، فإنهم يتسربون من مدارسهم بلا سبب سوى ضجرهم ، وعدم قدرتهم على النهوض صباحا ، فيقررون هكذا الإنقطاع عن المدرسة دون حسيب ، أو رقيب ، والإكتفاء بالتقلب داخل رحم التخلف ، والإنحراف ، والتشرد .
6
في ظل شرود أبي ، وتسكع أمي بين شوارع الحارة ؛ عشت هذه الطفولة الكئيبة ، وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف ، وأسمى لقب في الوجود ، متشبثة بدراستي بقوة سمكة صغيرة مرتجفة تسبح ضد التيار الذي لايرحم ، وقد كنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي ، وانحراف أفرادها بلا استثناء .
7
وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد ، وفيه بدأت مأساتي الحقيقية ، والتي لولا إيماني بالله ورحمته بي لما تجاوزتها . فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط ، وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى . تقدم رجل لخطبتي من أبي ، وكنت حينها في الخامسة عشر من عمري ، أما هو كان في الستين من عمره ؛ مصاب بالضغط المرتفع ؛ والسكري ؛ ومدمنا للخمر ؛ وتاجرا للمخدرات مما يدر عليه دخلا مرتفعا ، وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أمي وأبي يسيل ، ولايكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان ، ومن دون تردد وافقا ودون حتى أن يأخذوا موافقتي .
صرخت في وجهيهما ؛ [ لاأريده ] ؛
[ أريد أن أكمل دراستي ] زوجوه أختي الكبرى ، ولكن للأسف كان صوتي مجرد صدى يتردد من حولي دون أن يسمعه أحد سواي ، وكأنما كنت أحادث الفراغ اللامتناهي أمامي وليس والداي ، فقد أصما عقليهما إلا من نداء المال . قبضت أسرتي ثمن البيعة الخاسرة ، وهي مسرورة بالرغم من علمهم بأنه من مصدر حرام . وتم زفافي وسط جو كئيب من التعاسة ، واللامبالاة . فتخيلوا أن أمي لم تفكر حتى في توجيه أي نصيحة لي تلك الليلة ، أو حتى إلقاء نظرة على زينتي ، وماكياجي الذي وضعته أنا على وجهي ، أو حتى أن تتفقد أغراضي التي أحتاج إليها في بيتي الجديد .!
[] أتعلمون ماأول شئ وضعته أنا في حقيبتي ؟
وضعت دروسي ، وكتبي ، والتي كنت أتعلق بها ، كما يتعلق الطفل الصغير بثوب والدته خشية ضياعه منها في دروب الحياة الغامضة . []
8
ودخلت داري الجديدة ، عفوا : أقصد سجني ، وبمجرد أن أغلق الباب وراءه ؛ بدا بافتراسي كما يفترس الذئب ضحيته بكل وحشية ودموية . حاولت الهرب منه ولكنه لم يمهلني ، بل بدأ بتمزيق فستان زفافي ، ومعه مزق كل معنى جميل كنت أحاول رسمه لحياتي القادمة . لقد اغتصبني كما يغتصب المجرم عديم الأخلاق ضحيته في شوارع الليل المظلمة ، وبين جنبات الخرائب المتهدمة ، وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه ، واستلقى على فراشه كثور ضخم متبلد الإحساس دون حتى أن يكلمني ، أو ينظر إلى وجهي وارتفع صوت شخيره البغيض ، وهو أشبه بصوت طرق عنيف على أذني ، ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي إغتال آدميتها ونقاءها . أخذت أرتجف بألم ، وأجفف جراحي النازفة ، وأهدي من روعي المتصاعد من هذا الوحش الآدمي ، الذي يرتدي عباءة الزوج .
9
خمس سنوات مرت من عمري دفعتها
كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي . خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا ، وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط ، والنعال - أكرمكم الله - ، والحبس ، وحتى الحرمان من الطعام ، وكأنني خادمة يتيمة في قبضة سيد اشتراها من ماله ، فهو يتحكم بها كيفما يشاء ، كل ذلك لم يقهرني بقدر ماقهرني وجعلني أنزف من الداخل ؛ حرماني من الدراسة ، ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة ، أو حتى لإنتسابي وأدائي للإختبار نهاية العام . أصبحت أشبه بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم ، الذي أصابني بسبب حرماني من الدراسة ، ولكن الله الرزاق الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا يشغلونني عن كثرة التفكير بحرماني من الدراسة التي أعشقها ، إلى درجة لا يتصورها إنسان .
10
أنجبت ولدين وبنت خلال خمس سنوات فقط ، وأنا في العشرين من عمري لقد عاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي ، من ألم الإهمال ، وعدم الإحساس بالأبناء ، ولكن أنى لي ذلك ، وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة ، فبمجرد أن يشرب الخمر ويصبح ثملا ؛ فإنه يقوم بضربي وإياهم على أتفه الأسباب . أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة ؛ كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين ؛ خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعدنا دائما . أما حين يكون بحاجة للمخدر ولايجده ؛ فإنه يقوم بتحطيم الأثاث ، وتكسير الأواني ، وطردي مع أطفالي إلى الشارع ، وكثيرا ماقام جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة ، وشفقة بنا ، ولعلكم تتساءلون عن والدي ودورهما في مساعدتي ؟
اسمحوا لي أن أصدمكم بقولي : أنهما لم يحركا ساكنا تجاه مايريانه من أحداث مؤلمة تحيط بي ، وكاد اليأس أن يتسلل إلى نفسي من هذه الحياة السوداء التعيسة التي أعيشها ، ولكن قوة إيماني بربي كانت تحول بيني وبين هذا الشبح البغيض . دعوت الله في تلك الليالي المدلهمة أن يفرج كربي ، ويزيل عني هذا البلاء ، الذي تعجز نفسي المرهفة على احتماله .